تخيّلي أن رئيسك بالعمل أرسل لك ليلاً بريداً إلكترونياً بخصوص مهمة غير واضحة، ثم رسالة على هاتفك بضرورة معالجتها لطرحها في اجتماع مفاجئ في اليوم التالي. كيف ستكون ردة فعل جسدك وعقلك؟
دقات قلب سريعة، أنفاس متقطعة، تقلص في العضلات، ثم يحل القلق بأسئلته: هل سيطردني إذا لم أقم بالعمل؟ هل أنا مناسبة للقيام به؟ إلى أي حد يمكن لمديري وزملائي الاستهزاء بي خلال الاجتماع؟ تلك استجابة أجسادنا لمتلازمة الاحتراق النفسي المهني.
احتراق نفسي أم سلبية؟
حدّثت منظمة الصحة العالمية تعريفها للاحتراق النفسي عام 2019، على أنه "ناتج عن ضغوط مزمنة في مكان العمل لم تتم إدارتها بنجاح". يعمل هذا التعريف الجديد على زيادة الوعي بالاحتراق النفسي، وتقوية ارتباطه بالعمل، كمتلازمة نفسية تظهر في هيئة استجابة بعيدة المدى.
لم يكن إبلاغ النساء عن مستويات أعلى من الاحتراق النفسي المهني مقابل الرجال غريبا، وهو ما حددته إحدى الدراسات المنشورة بموقع المكتبة الوطنية الأميركية (NCBI) للطب بأن عدم المساواة بين الجنسين في مكان العمل يؤثر على الصحة العقلية المهنية، فتتمتع النساء بمستويات منخفضة من سلطة اتخاذ القرار، وغالبا ما يكنّ مؤهلات لأدوار أعلى، مما يؤدي في النهاية إلى تقليل الرضا عن ذواتهن في العمل.
وربطت الدراسة بين الاحتراق النفسي وأعراض القلق والاكتئاب، فأظهرت إحدى الدراسات أن النساء الأصغر سنا ممن يواجهن أعباء عمل ثقيلة وضغطا شديدا، هن الأكثر عرضة للإصابة باضطراب الاكتئاب والقلق العام.
كما يمكن أن تؤثر المستويات العالية من الإجهاد في العمل -وخارجه- في الصحة البدنية أيضا وذلك بتعطيل أنظمة الجسم وزيادة التعرض للأمراض، فيمكن أن يؤدي الإفراز المتكرر لهرمون التوتر إلى اضطراب الجهاز المناعي، ويزيد من احتمالية إصابة المرأة باضطرابات المناعة الذاتية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض ألزهايمر.
هل تعانين من الاحتراق النفسي؟
حددت المكتبة الوطنية الأميركية للطب 3 أبعاد رئيسة لاستجابتنا للاحتراق النفسي، فتبدأ بالإرهاق الشديد، ثم مشاعر السخط على ضعف الأداء وسخرية المديرين وزملاء العمل والانفصال عن الوظيفة، ثم الشعور العام بعدم الفاعلية والإنجاز في الحياة.
وتكمن أهمية تلك الأبعاد في وضع الإجهاد الفردي ضمن سياق اجتماعي وإنساني، فإن أكثر ما تواجهه النساء عند فقدانهن طاقتهن أو شعورهن بالوهن والتعب، هو وصف حالتهن بالسلبية والتكاسل وعدم الجدارة وسوء التصرف مع العملاء، مما ينتج عنه الانسحاب أو استمرار العمل تحت ضغط حتى السقوط أرضا دون حراك.
لتتوقفي عن التشكيك بقدراتك، وتنتبهي لحاجة جسمك وعقلك للراحة والدعم، حدد بحث نشرته جامعة هارفارد 3 أسئلة رئيسة، لتحددي بنفسك ما إذا كنت تعانين من الاحتراق النفسي المهني:
1- هل تعانين من الإرهاق الجسدي والنفسي معظم الوقت؟
2- هل أصبحت أكثر تشاؤما وانفصالاً عن العمل والمجتمع؟
3- هل تشعرين بعدم أهمية عملك وتأثيره في الواقع مهما كانت صعوبته؟
تحتاجين للإجابة عن سؤالين أو أكثر بـ"لا"، لتطمئني على مسيرتك، أما إذا أجبت بنعم، فعليك التحرك للسيطرة على "الإرهاق العادي"، قبل أن يتحول إلى "إرهاق خطير" أو احتراق من أجل العمل، باتباع النصائح التالية:
1- إستراتيجيات الاسترخاء: للتقليل من أعراض القلق يمكنك الجلوس بشكل مريح ورفع ساقيك على كرسي مقابل. أغمضي عينيك، وقومي بشد وإرخاء كل مجموعة عضلية رئيسة بجسمك على حدة، كأن تقومي بشد عضلات الساقين لمدة 10 ثوان، ثم إرخائها لمدة 20 ثانية، لتبدئي بمجموعة أخرى.
2- حل المشكلات: لا تواجهي نفسك بالمصاعب والعقبات مرة واحدة، فالنظر إليها بشكل عام يجعلها مفزعة، لذا اتبعي خطوات محددة عند مواجهة تحد جديد، مثل: تحديد المشكلة، ووضع حلول محتملة، وترتيب الحلول، ووضع خطة عمل ومواعيد تنفيذ، انتهاء باختيار الحل الأنسب.
3- تدريبات على اليقظة: تؤذينا ذاكرتنا تحت تأثير نوبات الاكتئاب، ولمقاومة ذلك يمكن تدريب الذهن على عدم اجترار الماضي أو القلق بشأن المستقبل من خلال تدريبات اليقظة، وذلك بممارسة تمارين التأمل أو المشي اليقظ، أو تدوين 5 أشياء في مكتبك، ألوانها واستخداماتها، عند خروج الأمور عن السيطرة.
4- ضعي صحتك أولوية: اجعلي الأكل الصحي والتمارين الرياضية، والنوم الهادئ في أعلى قائمة أولوياتك. احصلي على كل إجازاتك، ولا تتباهي بأنك أكثر من يتحمل ضغوط العمل، ويؤدي واجبات زملائه، وأول من يدخل المكتب وآخر من يغادره، توقفي عن فعل ذلك.