-روان سالم
تخيّل معي هذه القصة بعدما أوشك كوفيد-19 على إكمال عامه الثاني وانتشرت اللقاحات، وبدأت الشركات تودع العمل من المنزل وتستعيد موظفيها وتفتح أبواب مكاتبها: بينما أنتَ جالسٌ في منزلك بهدوء وسكينة، تأكل وتشرب وتنام وتعمل! تداعب قطتك وتعود لتستأنف العمل، إنتاجيتك جيدة وتقوم بعملك على أكمل وجهه، يرنُّ هاتفك، تُمسك لترى المتصل، وإذا هو الـ Boss.. يلقي السلام، ثم يبلغك بأنه على أحرّ من الجمر للقائك الأسبوع القادم في مكتبك، على طاولتك وكرسيّك.
حقًا! هل سأعود للاستيقاظ يوميًا وارتداء ملابس العمل وتسريح شعري، والضياع في زحمة المواصلات؟ هل سأعود للعمل مع زملائي وأتحمّل غلاظة أحمد وجهًا لوجه؟ لساعات سأقضيها في المكتب لأنجز عملًا يمكنه أن يُنجَزَ تمامًا في منزلي وعلى سريري؟ يا للهول…
لست أنت فقط، فوفقًا لمسحٍ أجرته شبكة القنوات التلفزيونية بلومبر (Bloomber)، قال حوالي 40% من الموظفين إنهم قد يفكروا في الاستقالة إذا طُلب منهم ترك امتيازات العمل من المنزل، فقد كُتبت الكثير من المقالات حول مزايا العمل من المنزل وما يعود به من فائدة على الفرد والشركة. بغضّ النظر عن استمرارية حالة الوباء، سيأتي يوم ينتهي فيه كوفيد-19، وعندها قد يصرّ رئيسك على عودتك إلى المكتب، كيف ستواجه الأمر؟ كيف ستقنعه بالبقاء للعمل من المنزل؟
في هذا المقال، سأقدم لك بعض النصائح والاستراتيجيات حول كيفية إقناع مديرك بالعمل من المنزل إلى الأبد دون العودة إلى المكتب.
الأمر يحتاجُ تخطيطًا: فكّر في خطة الإقناع قبل التصرف
بداية الأمر، أنت تحتاج للتواصل مع رئيسك كي تطلب موعدًا لمناقشة هذا الموضوع، ولكن هذا الأمر يحتاج التفكير أيضًا. خُذ بعين الاعتبار طريقة التواصل المفضلة لدى رئيسك فلكلّ رئيس طريقة معينة يحبّذها، حتى أن لكل رئيس برنامج تواصل مُفضّل! أنا متأكدة أنك شخصيًا تفضل أن يكون اجتماعكما عن بُعد على تطبيق زوم مثلًا، ولكن ربما يُريد رئيسك أن يراك شخصيًا، يحتاج ذلك أن تكون على دراية مع الوقت بطباع رئيسك.
طبعًا يُفضّل أيضًا تجنب الأوقات التي يكون فيها رئيسك متوترًا بشأن الشركة، ويتوضح ذلك من إجمالية الحديث على مجموعة العمل، فإذا لم يكن راضٍ عن شيءٍ ما في العمل أو الفريق، فلا بأس بالتأجيل، ليست بالمشكلة الكبيرة أن تعود إلى مكتبك لمدة معينة وتنتظر الوقت المناسب لفتح الموضوع.
وفي النهاية، خصص وقتًا للتمرّن على كل النقاط التي ستتناقش فيها، إذا اضطرك الأمر، قِف أمام المرآة، وتحدث مع نفسك رجلًا لرجل وكأن صورتك هي رئيسك.
ركّز في محادثتك على الإنتاجية
من المحتمل أن تكون حجّة ربّ العمل لعودة الجميع إلى المكتب مرتبطة بثقافة الشركة، يريد أن يعود الجميع للتعاون والتآزر ومناقشة الخطط، وهو ما يحسّن الإنتاجية بشكلٍ دائم… كلّ ذلك ليصب في مصلحة الشركة في النهاية. يأتي دورك هنا لتستأنف جميع طرق الإقناع والحلول التي يكون فيها العمل عن بُعد مفيدًا للشركة في الواقع.
هل إنتاجيتك جيدة في الأصل؟ هل مديرك راضٍ عما تقدمه عن بُعد؟ هل لديه ملاحظات حول عملك؟ في الإجابة عن هذه الأسئلة تكمن قوّتك في الدفاع عن موقفك، فإذا كنت منتجًا في أيام العمل عن بُعد، وليست هناك ملاحظةً على أدائك، وإنتاجيتك محسّنة نوعًا ما، هناك فرصة جيدة للإقناع.
يمكنك أن تقنع المدير بأن العمل من المنزل سيوفر لك طاقة أكبر للتعامل مع المزيد من المشاريع والتفكير براحة، بدلًا من استنزاف طاقتك في السفر من وإلى العمل وتحمل مشقات الجلوس ساعاتٍ طويلة على الكرسي مرتديًا ملابس رسمية.
طريقة الإقناع مهمة: كُن واثقًا وحازمًا لا عدوانيًا!
يمكنك التعبير عن طلبك بوضوحٍ وإقناع وأنت محافظٌ على هيئتك كموظف محترم، هنا تظهر أهمية الوقوف أمام المرآة ومحاورة نفسك، تخيُّل المحادثة بينك ورئيسك وما يمكن أن يحصل. لن ينفعك الأسلوب المقنع وسرد الطّرق التي ستظهر فيها أنت أكثر إنتاجية بدون لغة جسد جيدة، ونغمة صوت ليّنة مع ابتسامة خفيفة وتواصل بصري مريح حتى لو كان اجتماعك عبر الإنترنت.
لا تبالغ: كُن صادقًا بشأن دوافعك
الصدق طريقة إقناع فعالة في هذا الموضوع، وفي أي موضوع حقيقةً، فعندما تخبر مديرك أنه لديك مخاوف حقيقية بشأن رعاية أطفالك، أو أنك لا تستطيع تكبّد عناء السفر والتنقل، الخوف من كوفيد-19 أو حتى توفير أجرة السفر! هنا سيفهم أنك تسعى إلى العمل من المنزل ليس لمجرد العمل من المنزل. ببساطة كُن صريحًا، عندما تعترف بمشاكلك التي قد تؤثر على إنتاجيتك إذا عدت للعمل من المكتب، هنا قد يراجع رئيسك نفسه ويرى أنه من الأفضل التنازل لطلبك فعلًا.
تساعد أيضًا مدى صداقتك مع رئيسك في العمل على أريحية الطلب والمناقشة، فعمومًا هو بشرٌ مثلك، وإذا كانت علاقتكما منطقية وجيدة، شاوِره واطلب رأيه وما يشعر به حيال طلبك، ببساطة قُل له “أنا أكلمك في هذه اللحظة كصديق وليس كمدير، ما رأيك في هذا الموضوع؟”، قد يحترم رغبتك بالفعل إذا استطعت إقناعه بأنه لا شيء سيتغير طالما أنك تعمل بجدّ بشكل دائم.
اقترح فترةً تجريبية لاختبارك
على الرغم من أنك أثبتَ بالفعل قدرتك على العمل عن بُعد مؤقتًا، فأنت بحاجة لفرصة أخرى تثبت قدرتك على العمل بدوامٍ كامل عن بُعد، ولِتظهر بمظهر الموظف الجيد الجدير بالثقة، اطلب من المدير فترة تجريبية لمدة شهر أو شهرين مثلًا، تثبت فيها أنك أهلٌ للعمل من المنزل.
ساعات العمل المرنة جيدة إذا لم تفلح في إقناعه بنسبة 100%
“ما رأيك في حلٍّ وسط يرضينا نحن الاثنين؟”.. إذا لم تفلح تمامًا في الجلوس في المنزل ومتابعة العمل، فلا تفقد الأمل، ما زال بإمكانك التفاوض مع المدير، ولكن كما قلنا، حافظ على هدوئك في كل جزء من اللقاء، ولا تغضب. اقترح عليه نموذج العمل المختلط المرن (مكتبي-عن بُعد)، سواءً بدوام أسبوع في المكتب وآخر من المنزل، أو يومين في الأسبوع من المكتب فقط.